خالد .. كم كنت أسر عندما أراه غادياً إلى المسجد أو رائحاً .. كنا ننصرف من صلاة العصر إلى بيوتنا ويبقى هو ثانياً ركبتيه عند أستاذه ، تارة يحفظ ، وتارة يسمع ، وتارة يتعلم التجويد .. كنت أراه مع زملائه الحفاظ فأراه متميزاً عليهم بسمته وأدبه ، كل من رآه توقع له مستقبلاً متميزاً .. كان ذا همة عالية ، لمحته خارجاً من الحلقة يوماً وقد شارف على ختم القرآن حفظاً ، فدعوته إليّ .. خالد .. فقال بكل أدب: سَمْ يا شيخ ..
قلت له: في نفسي كلمات منذ سنين أريد أن أفضي بها إليك ، ويبدو أن الوقت لها قد حان ..
يا خالد .. قد أكرمك الله بالعناية بكتابه حفظاً وتعلماً ، فأشغلت به نهارك ، لما اشتغل غيرك بمتابعة قنوات ومباريات ، وأسهرت به ليلك لما أسهر غيرك ليله بالغناء والموبقات ..
فأعط القرآن حقه .. قال : وما حقه؟
قلت : انتبه أولاً أن تغفل عن العمل بالقرآن ..
فاليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون ، فالأولون تعلموا ولم يعملوا .. والآخرون عملوا ولم يتعلموا..
قال ابن عباس : رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه .. يقرأ (ألا لعنة الله على الفاسقين) وهو فاسق .. ويقرأ (فنجعل لعنة الله على الكاذبين) وهو كاذب ..
ألا أخيَّ .. فاجعل للقرآن تأثيراً عليك ، واحفظ لسانك وبصرك وجوارحك .. فأنت من أهل الله وخاصته ..
أريد كل من رآك .. أمك أبوك إخوانك زملاؤك مدرسوك ، يعلم أن القرآن قد أدّبك ، نعم أدّب نظراتك وكلماتك ومجالسك حتى صارت تختلف تماماً عن غيرك ..
هل سمعت يوماً أمنا عائشة وهي تصف رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول : كان خلقه القرآن ، نعم ، كان يقرأ (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) فيحسن إلى الكبير والصغير والغني والفقير ، ويقرأ (يغضوا من أبصارهم) فيغض بصره .. فهلا صرت مثله..
خالد .. ومن حق القرآن عليك أن تتعاهد مراجعته ، فهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها ، وأبشر فإن أتقنته وأعطيته حقه ، آنسك في قبرك ، وجاء يوم القيامة شفيعاً لك ، وقيل لك في الجنة اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا..
وأخيرا .. فكما تعلّمت فعلّم ، فخيركم من تعلم القرآن وعلمه..
محبك الداعي لك بالخير/
د. محمد بن عبد الرحمن العريفي
منقوووووووووووووووول لرفع الهمه