كيف نربي أطفالاً صادقين؟
عندما يولد الطفل يكون عقله بمثابة الصفحة ناصعة البياض، وهذه الصفحة تتشكل وينقش عليها وفق مجموعة من القيم والمبادئ التي يتبناها الأهل في المقام الأول باعتبارهم المؤثر الرئيسي وليس الوحيد في العملية التربوية.
وإذا كان الطفل ينشأ متأثرا ومتشبها بوالديه في معظم الأحيان، حيث ان المرء على دين أبيه -كما يقال- فإن ثمة عاملين آخرين يؤثران في تشكيل الوجدان والعقل، بل إن تاثيرهما يمكن أن يتجاوز حدود التأثير الأسري ألا وهما المدرسة والمجتمع المحيط بالطفل.
القيم والأخلاق الدينية يتم زرعها وغرسها منذ نعومة الأظفار ومع تكرار الصواب والخطأ يتعلم الطفل السلوكيات السوية مقتديا بمن يتولى أمره سواء كانوا الآباء أو المعلمين أو من شابه.
ويأتي الحث على الصدق والنهي عن الكذب في مقدمة الأمور التي تتطلب المزيد من الوقت والجهد لتدريب الطفل عليها، فطبيعة عقول الصغار تجنح نحو الخيال والأحلام، ومن المهم استيعاب هذا الأمر والتعامل معه بهدوء وتدريجيا حتى ننمي قيمة الصدق باعتبارها سلوكاً دينياً وأخلاقياً يتحتم على الجميع صغاراً وكباراً الالتزام به.
وهنا يجب ملاحظة حقيقة أن الطفل يتعلم بالقدوة وليس بالنصح والتحذير فقط، وتعتبر هذه النقطة هي الأهم في التنشئة التي من خلالها يتأكد ما إذا كانت القيم الايجابية التي تتم توعية الطفل بضرورة وضعها نصب عينيه، قد أثمرت بالفعل نتائجها المرجوة أم أن الأمر تحول الى ما يشبه الحرث في البحر.
فقد يرتكب الأهل أنفسهم أفعالا لا تتفق بالمرة مع نصائحهم لأطفالهم ويقعون في تناقض القول والفعل، وهو ما يتسبب في طرح تساؤلات عديدة في عقل الصغير دون أن يجد الإجابة عنها، فربما يطلب منه احد والديه إنكار وجوده. إذا ما رن جرس الهاتف وأراد شخص غير مرغوب فيه التحدث معه، وتكون الطامة الكبرى إذا ما أخطأ الطفل في التعبير عن الكذبة فيرد على المتصل بقوله: “أبي يقول لك انه غير موجود” وهنا يجد سيلا من اللوم والتأنيب بل العقاب أيضا حتى ينتبه للحرج الذي أوقع أباه فيه، وبالتالي فليس أمام الصغير مفر إلا أن يتعلم كيف يكذب في المرات القادمة، وكأن الأهل هنا لا يستطيعون مواجهة مواقفهم ويطلبون من الأطفال مواجهتها بالنيابة عنهم.
يحدث ذلك بينما الأهل أنفسهم هم من يعاقبون بشدة الطفل على كذبة قالها تجنبا لعقاب مبالغ فيه قد يلجأ اليه الآباء على خطأ ما، وتناسوا هم أفعالهم التي يحاول الأبناء الاقتداء بها وتقليدها، وهو ما يؤدي إلى تبخر كل الدروس والمواعظ عن الصدق في الهواء.
وإذا كان من الضروري وجود القدوة كمرتكز أساسي لتكريس قيمة الصدق، فإن ثمة عوامل أخرى تتفاعل لتؤثر بشكل أو بآخر في هذه المسألة، وعلى سبيل المثال هناك الكذب بهدف الدفاع عن النفس والهروب من العقاب، فقد يرتكب الطفل فعلا ما وهو لا يعلم إذا ما كان سيعجب والديه أم لا، ونتيجة لعدم شعوره بالأمان وخوفا من رد الفعل المبالغ فيه أحيانا، يلجأ الطفل الى الكذب حتى يمر الموقف بسلام.
وهنا يجب الاهتمام بأمر زرع الثقة في نفوس الأطفال حتى يعتادوا على مصارحة آبائهم بكل ما يواجههم من مواقف حتى لو كانت خاطئة، ليكون بإمكان والديهم إرشادهم إلى السلوك السوي وتنبيههم الى ما ارتكبوه من أخطاء سواء بالنصح أو بالعقاب ولكن بعيدا عن العنف المبالغ فيه.
من حق الأطفال أن يتعلموا حقائق الحياة، فالإنسان يخطئ ولكنه لابد ان يتعلم من أخطائه ولا يستمر في ارتكابها، والطفل مثله مثل أي إنسان لا بد ان يمنح الفرصة لتصحيح أفعاله شيئا فشيئا حتى يصل في نهاية المطاف إلى منهج واضح في التعامل مع الأمور الحياتية.
لقد كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يحث دوما على الصدق ونبذ الكذب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع”.
إن بناء جسور الثقة المتبادلة بين الآباء والأبناء يتطلب كثيراً من الوعي وقليلا من العنف، حتى نصل بأطفالنا الى بر الأمان.